أكتُشف هذا الفايروس أول مرة في هونغ كونغ عام 1997 وكان يُصيب الطيور بسهولة والإنسان بصعوبة ، فقد قتل 322 شخصاً من مجموع 566 شخصاً أصابهم منذ عام 2003 . سبب قلة الإصابة أنَّ هذا الفايروس لا ينتقل من شخص إلى آخر، وهذا لا يعني أنّه ليس بقاتل ولكنّه لم يُصبح وباءً فيقتل الآلاف أو الملايين .

وقد أنتج الباحثون في هنغاريا وبريطانيا لقاحاً (جرعة واحدة) ضدّه في شباط 2010 أجيز في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكان ناجحاً. ولما كان الباحثون يعملون دائماً ببركة الاكتشافات الجينية ، فقد توصّل العالم الهولندي رون فوشيير ورفاقه في إراسموس ، المركز الطبّي في روتردام، إلى خمسة تحويرات جينية في جينين للفايروس في أيلول 2011 جعلت الفايروس ينتشر بين الثدييّات في المختبر . هذا التغيير/ التحوير لم يغيّـر من فعاليّة الفايروس الطبيعي في إصابته الطيور أو الحيوانات بل جعلته أكثر شراسةً في الانتشار .

يقول بيتر دوهرتي الحائز على جائزة نوبل عام 1996على عمله في المناعة الفايروسية عن هذا التغيير بأنّه ” يُري بوضوح أنّ هذا الفايروس يستطيع التغيّر في طريقة يسمح للانتقال ويبقى مسبّباً إصابات حادّةً في الإنسان. إنّه لمخيف.” في البدء عمل فوشيير ورفاقه ثلاثة تغييرات ليكيّف الفايروس أن ينتقل بين الثدييّات . وأبرز نتائج بحثه في مؤتمر مالطا (أيلول 2011) التي أظهرت أنّ هذا الفايروس H5N1 قد تحوّل إلى شكل آخر ينتقل بين الثدييات أيضاً ويقتلهم . استعملوا حيوان ابن عرس (ابن مِقْرَض) ، أو (جريدي أبو العرس) باللغة العراقية الدارجة أو ما يُسمّى Ferret بالإنكليزية لهذا الغرض . مرّروا هذا الفايروس من أنف ابن عرس إلى أبن عرس ثانٍ ومن الثاني إلى ثالث وإلى رابع وإلى عاشر . فوجدوا أنّ أبناء عرس الموجودين في قفص منعزل مجاور لقفص أبناء عرس المصابين في (المرحلة العاشرة) قد أصيبت كلها وقُتلتْ . هذا الفايروس المحوَّر جينيّاً اعتبره فوشيير بأنّه أخطر الفايروسات على الإطلاق!

في ذات الوقت كانت هناك تجربة مماثلة أجراها العالم يوشيهير واكاووكا ورفاقه في ويسكونسون الأمريكية بالتعاون مع جامعة طوكيو ، فأنتجوا الفايروس المحوَّرعينه. الفايروس الذي ينتقل من شخص إلى آخر ينتقل بين أبناء عرس أيضاً، ولكن ليس من الضرورة أن تنتقل كلّ فايروسات الإنفلونزا القادرة على الانتقال بين أبناء عرس بين الأشخاص، ولكنْ لهذه الخطوة خطورتها وظهر أنّها تنتقل .

يقول فوشيير إنَّ مثل هذا الفايروس المحوّر جينيّاً (H5N1 ) قد يكون موجوداً في الطبيعة، حيث إنها (الطبيعة) تعمل ما يعمله العلماء في المختبر بالتحويرات الجينية في مختلف الكائنات الحيّة، وهو تبرير ضعيف لصنع هذا الفايروس . أما السبب الذي يبرر به هؤلاء العلماء (لعبتهم) غير المسؤولة والتي تحمل الخطر الأكيد هو الحصول على لقاح يقي من الإصابة به في المستقبل ! ولكن مثل هذا اللقاح موجود ومجاز كما ذكرنا سابقاً.

ولما أراد فوشيير نشر بحثه هذا ، لم تنشر مجلتا نيتشر وساينس المشهورتان هذا البحث بناء على طلب المجلس الاستشاري الوطني العلمي للسلامة البيولوجية في أميركا الذي أوصى بنشره مختصَراً وأن تُمحى التفاصيل المتعلقة بطريقة التحوير الخاص للفايروس. كما إنّ الباحثين في هذا المجال في العالم طلبوا (تعليق/تجميد) النشر لمدّة ستين يوماً ابتداءً من العشرين من كانون الثاني (يناير) 2012 ليتسنّى لهم الدراسة والتمحيص . أمّا بروس ألبرتس رئيس تحرير مجلة ساينس فيقول : “إنّه ليس معلوماً كم سيطول الوقت لنشره ولكن حتماً سوف لن يكون سنين”. يخشى العلماء أن تقع هذه التجارب بيد الإرهابيين حيث يعتقدون أنّها تهديد للبشرية على نطاق خطير وبرّروا النداءات غير العادية لمراقبة هذا البحث.

ولكنّ رئيس المجلس الاستشاري الوطني العلمي باول كايم يقول ” لا أظنّ أنّ ثمة فايروس أشدَّ رهبةً من هذا الفايروس، ولا أعتقد أنّ الجمرة الخبيثة أكثر رهبة أبداً مقارنة بهذا.” وهذا يعني أنّ هذا الفايروس المخيف قد يُستعمل في التهديد أيضاً. يقول بعض العلماء هذا سبب كاف لمنع مثل هذه البحوث حيث يمكن للفايروس أن (يهرب) من المختبر أو أنّ الإرهابيين أو بعض دول العالم الثالث المتعطشة إلى مثل هذه البحوث يحصلون على (وصفة) تكوينه بعد نشر البحث فيستُعـمَل للإبادة الجماعية .

هذا البحث وجب أن لا يكون ، كما يقول ريشارد إلبرايت ، عالم البيولوجي الجزيئي في جامعة رتجرز في بيسكاتَوَيْ – نيو جرسي . لو تسنّى لهذا الفايروس أنْ يُطلقَ بأي طريقة تكون لتجاوزت ضحاياه الملايين في العالم وليس بضع مئات من الناس الذين أصيبوا بالفايروس الطبيعي ، فايروس إنفلونزا الطيور في السنين الماضية.

بهجت عباس
—————————————–
عضو متمرس في جمعية الكيمياء الحيوية البريطانية

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *